من وحي قلمي لا أعلم هل تصدعت الأحلام يومها على أبواب غربتي..؟!
أول أطلالتي على مرسيليا جعلتني أستنشق هواءً
نقياً ظننت أنني لم أستنشقهُ سابقاً..
حملتُ حقيبة يدي الصغيرة على كتفي وطفقتُ
أبحثُ عن عنوان صديقتي التي لم تاتي للميناء لأستقبالي..
تمنيتُ أن يكونَ المانع خيراً..
جلستُ بحديقة عامة أقلبُ كلَ أوراقي حتى أجدَ العنوان،
يبدو أن رحلتي ستكون كهبة نسمات على صحراء
لا تلبث أن تختفي لتعودَ الشمس الحارقة لتقطع الأنفاس..
كيفَ سأستطيع لوحدي أن أحققَ حلمي بزيارة
فيو بورت _تلكَ المدينة السياحية التي ياما شاهدتها
على الخارطة ومسحت بأصابعي حولها وكانني
أتمشى بشوارعها ..
كم أخبرتني صديقتي عن أصدقائها العرب هناك
وعن عشقهم لكل ما هوَ عربي..
وقفت مطولاً بنفس المكان وحبست دموعي
وحاولت أن أتماسك فأنا ببلد غريب ولأ أتقن الفرنسية_
ولا أعلم الا بضع كلمات منها لن تفيدني بشيء..
لن أستطيعَ البقاء بهذا المكان لفترة طويلة ..سأجدُ حلاً..لا بد أن
يكونَ هناكَ حل ما..!!
سرتُ على أقدامي لفترة طويلة وإذ بي أستمع لصوت
هتاف جمهور _لا أعلم كم ساعة مشيت وكيفَ حطَ
بي الرحال هناك..تفاجئت بشاب صغير يحاول الدخول عنوة
للمدرج ليشاهدَ المباراة وحينَ منعوه همسَ لمن منعهُ بكلمة
ثمَ أشارَ بأصبعهِ نحوي ..
اقتربَ مني ذلكَ الرجل مع الشاب ثم همسَ لي الشاب
كلمات لم أفقه منها شيئاً وأمسكَ يدي بقوة ودفعني للداخل..
حاولتُ بيدي التي لا تمسك الحقيبة أن أمنعهُ لكنهُ تمسكَ بي
ونظرَ الي نظرة متوسلة ،،لم أعلم هل أثق بهِ ام لا .
سرتُ معهُ كالمخدرة ورأيتهُ يجلسني وينادي الرجل الذي
يبدو لم يتركنا للحظة ، وبعدَ لحظات عادَ الرجل مجدداً
وبيدهِ كأسَ ما وناولهُ لي .. نظرَ لوجهي الشاحب
ولاحظَ ارتجافة شفتي وخاطبَ الشاب بكلمات وكانهُ يلومهُ
لاحضاري للمبارة ، ثمَ ابتعدَ وتركنا وحيدين..
جلستُ بقرب الشاب وأندمجتُ مثلهُ مع أحداث المباراة
ورايتهُ يشجع فريق ما فقمت بدوري بتشجيع نفس الفريق
والهتاف لهُ ..
ثم نهضت من مكاني وإذ بيد من الخلف تمسك بي وبقوة..
أكيد سيتم طردي لانهُ كما يبدو لستُ قريبة من الاغماء
كما أدعى الشاب.. أو لم تعجبهم لغتي .. أو ربما تصرفتُ
تصرفاً خاطئاً .
نظرتُ للخلف وأنا أرتجف ..ألا يكفيني أني بمدينة غريبة عني كلياً..
وما بينَ موجات الخوف والصقيع الذي اجتاحَ قلبي
وجدتني أسقط على الارض ولم أعد أدري شيئاً..
سمعتُ أحدهم يتحدث هاتفياً بهمس بينما كان طبيب
يقفُ فوقَ رأسي ويفحص نبضات قلبي ويشير لي
أن أفتحَ عيوني..
ابتسمتُ لهُ _ أظنها بسمة ساخرة من نفسي فقدومي لمرسليا
كانَ لسببين أن أنسى خطيبي الخائن وأن أزورَ صديقتي
وأتعرف على مرسيليا _{ذلكَ الحلم الذي راودني منذُ الطفولة وحينَ
تحقق أجدني قابعة بسرير غريب ببيت لا أعلم عن مالكهِ شيئاً .}
بعدَ لحظات حضرَ الشاب وأعطاني كتاب ، أمسكتهُ بيدي
بتوتر ثم فتحتهُ لأجد أنَ بهِ ترجمة من الفرنسية للعربية..
بعدَ لحظات دخلت أمراة عجوز وجلست بقربي وأبتسمت
لي وقالت بلغة عربية ركيكة : " ما تقلقي بنيتي ..أنتِ بأمان ..
شو جاية تعملي بمرسيليا .."
أول انسانة تتكلم اللغة العربية تعرفت عليها هنا..
أخبرتها ما بينَ دموعي عن صديقتي التي أخلفت وعدها لي..
قالت لي بهدوء : "ربما ذهبت لمشاهدة المباراة ونسيتك يا صغيرتي..
قد سمحت لنفسي بتفتيش حقيبتك ووجدت بهِ عنوان فأتصلت بصاحبته
وستوافيكِ حالاً لهنا .. ولا تقلقي من جاد ..هوَ شاب مؤدب
أحضركِ لهنا حينَ أغمي عليك..المسكين كان قلق جداً عليك
ولم يعلم سبب اغمائك ..أراد شخص ان يعطيك عصير
فصرختِ ثم غبتِ عن الوعي..
لي أكثر من أسبوع وأنا انتظر صديقتي التي قالت انها ستاتي
لموافاتي فوراً..وجاد يأخدني لكل مكان بمرسيليا..
حتى مينائها الرائع..أماكن بصراحة لم اكن أحلم برؤيتها..
تزوجنا ولا زلتُ أنتظرَ قدوم صديقتي ..التي يبدو أنها مجرد
ورقة خاسرة ..
سألني جاد مرة الن تحضر صديقتك لزيارتك.. أجبته وأنا احملُ
طفلنا الاول بينَ ذراهي بحب وحنان.." لا أعلم لمَ دعتني من البداية
لزيارتها إن لم تكن تنوي استقبالي .."
ابتسمَ لي بحب ووله وقالَ لي : " عليَ أن أشكرها لانها عرفتني
على أروع أنثى عرفتها في حياتي .."
نسيتُ أن أخبركم أنَ جاد علمني اللغة الفرنسية والان أتقنها تماماً
وأنا علمتهُ القليل من العربية ..
/
من وحي قلمي